الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل الثاني والأربعون: يا من قد أسره الهوى فما يستطيع فكاكًا، أفق قبل الومى، وها هو قد أدركك إدراكًا قبل أن لا ينفع البكاء الباكي ولا التباكي من تباكى.لأبي العتاهية:كم سكن قلبك في هذه الدار، فحام الموت حوم حماهم ودار، ثم ناهضهم سريعًا وثار، كأنه ولي يطلب الثأر، وقد خوفك بأخذ الصديق وسلب الجار، ومن أنذر قبل هجومه فما جار. يا هذا، العمر عمر قليل وقد مضى أكثره بالتعليل، وأنت تعرض البقية للتأويل، وقد آن أوان الآن أن يرحل التنزيل، ما أرخص ما يباع عمرك وما أغفلك عن الشرا، والله ما بيع أخوة يوسف يوسف بثمن بخس، يا عجب من بيعك نفسك بمعصية ساعة، متى ينتهي الفساد؟ متى يرعوي الفؤاد؟.يا مسافرًا بلا زاد، لا راحلة ولا جواد، يا زارعًا قد آن الحصاد، يا طائرًا بالموت يصاد، يا بهرج البضاعة أين الجياد؟ يا مصاب الذنوب أين الحداد؟ لو عرفت المصاب فرشت الرماد، لو رأيت سواد السر لبست السواد، جسمك في واد وأنت في واد، نثر الدر لديك وما تنتقي، وقربت المراقي إليك وما ترتقي، لقد ضيعت ما مضى وشرعت في ما بقي، يا واقفًا في الماء الغمر وما ينقى. واعجبًا لنفاسة نفس رفعت بسجود الملك لها، كيف نزلت بالخساسة حتى زاحمت كلاب الشره، على مزابل الذل، هيهات لن تفلح الأسد إذا أنفقت عليها الميتات الفسد.يا هذا، جسدك كالناقة يحمل راكب القلب، فلا تجعل القلب مستخدمًا في علف الراحلة، تالله إن جوهر معناك يتظلم من سوء فعلك، لأنك قد ألقيته في مزابل الذل، ماء حياتك في ساقية عمرك قد اغدودق، فهو يسيل ضايعًا إلى مهاوي الهوى، وينسرب في أسراب البطالة، فقد امتلأت به خربات الجهل ومزابل التفريط، وشربته أدغال الغفلات، ويحك، أردده إلى مزارع التقوى لعله يحدق نور حديقة، إلى متى يمتد ليل الغفلة؟ متى تأتي تباشير الصباح؟ لما سبق الاختيار لأقوام في القدم، جذبوا بعد الزلق في هوة الهوى إلى نجاة النجاة، يا عمر، كيف كانت حالك؟ قال: كنت مشغولًا بهبل فسمعت هتاف {ففِرُّوا إلى الله} فعرجت على المنادي، فإذا أنا في دار الخيزران يا فضيل، من أنت؟ قال: أخذت من قطع الطريق، فأخذت في قطع الطريق، يا عتبة الغلام، من أنت؟ قال: كنت عبد الهوى فحضرت مجلس عبد الواحد، فصرت عبدًا للواحد يا سبتي من أنت؟ قال كنت ابن الرشيد فعرض لي رأي رشيد فإذا عزمي قد أخذ المر ومر، يا ابن أدهم، من أنت؟ قال أخذني حبه من منظرتي فصيرني ناطور البساتين. يا رابعة، من أنت؟ قالت: كنت أضرب بالعود فما سمع غيري. يا طفلًا في حجر العادة محصورًا بقماط الهوى، مالك ومزاحمة الرجال؟ تمسكت بالدنيا تمسك المرضع بالظئر، والقوم ما أعاروها الطرف، ما لك والمحبة وأنت أسير حبة؟ كم بينك وبينهم؟ وهل تدري أين هم؟. سار القوم ورجعت، ووصلوا وانقطعت، وذهبوا وبقيت، فإن لم تلحقهم شقيت. يا من كلما استقام عثر، يا من كلما تقرب أبعد، استسلم مع الحرية واستروح إلى دوام البكاء وصح بصوت القلق على باب دار الأسف. .الفصل الثالث والأربعون: يا هذا، من اجتهد وجدَّ وجد، وليس من سهر كمن رقد والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد.للمهيار:لقد رضيت الغبن والغبن، وبعت عمرك بأقل ثمن، وأنفقت فيما يرد بك الزمن، وفترت في الصحة ولا فتور الزمن، يا مغرورًا بخضراء الدمن، يا جامعًا مانعًا قل لي لمن؟ كيف ينال الفضائل مستريح البدن، سلع المعالي غاليات الثمن، وإن ساومتها فبزهد أويس وفقه الحسن.يا هذا أوقد مصباح الفكر في بيت العلم، تلح لك الأعلام، من سد ثغور الهوى بجند الجد ملأ عين راحته من نوم الطمأنينة، من دق صراط ورعه عن الشبهات عرض الصراط له يوم الجواز، لله در أقوام تأملوا الوجوب ففهموا المقصود، فالناس في رقادهم وهم في جمع زادهم، والخلائق في غرورهم، وعيونهم إلى قبورهم.قال الإمام أحمد لقد رأيت أقوامًا صالحين، رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبة من لبود قد أتت عليها سنون، رأيت أبا داود الحفري وعليه جبة محرقة قد خرج منها القطن وهو يصلي فيترجح من الجوع، ورأيت أبواب النجار، وقد خرج من كل ما يملكه.وكان في المسجد شاب مصفر يقال له العوفي، يقوم من أول الليل إلى الصباح يبكي. عملت في قلوبهم معاول الحزن معًا، فانبعثت من كل ركية، ركية ماء أسي، فجرى من طرف طرفين ماء فجرى وسخًا فغسل وسخًا. قال أبو عمران الجوبي: أرتني أمي موضعًا من الدار قد انحفر، فقالت: هذا موضع دموع أبيك.وكان حسان بن أبي سنان: يحضر مجلس مالك بن دينار، فيبكي حتى يبل ما بين يديه ولا سمع له صوت. للمتنبي: دموع المحبين، غدران في صحاري الشوق، من عادة القوم ألف البراري والجلوس إلى الشجر فإن سمعوا هتاف الحمام استغنوا عن نايح. إذا تمكنت المحبة استحال السلو، تعلقت يد المحبة بتلابيب القلب فلا يمكنه التخلص، فيدور معها في دار المداراة. وهل للمحب قلب، هيهات مزقته المحبة، براثن أسود في شلو ضعيف، على شدة جذب مع وام التقليب. انكشف اليوم الستر، افتضح العاصي والعارف.لتوبة: وقع الحريق في زوايا المجلس رشوا عليه من مزاد الدمع، يا كثيف الطبع بيض الحمام يفرق من صوت الرعد ولا حس له، أفميت أنت وهذه الصواعق حولك؟ هبت اليوم نسمة من أرض كنعان إلى مصر، غنت حمامات اللوى في أرض نجد، تنفس المشتاق فانقشع غيم الهجر، سعى سمسار المواعظ في الصلح.للغزي:
|